فصل: فصل في ذكر الصراط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في ذكر الصراط:

ثُمَّ تَفَكَّرْ -بَعْدَ تَفَكُّرِ فِيمَا سَبِقَ- فِي الصِّرَاطِ الذِي هُوَ الجِسْرُ المَنْصُوبِ عَلَى متْنِ جَهَنَّمَ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، خَرَجَ البَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ زِيَادٍ النُمَيْرِيّ عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّرَاطُ كَحَدِّ الشَّفْرَةِ، أَوْ كَحَدِّ السَّيْفِ، وَإِنَّ المَلائِكَةَ يُنْجُّونَ المُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ جِبْرَيلَ لآخِذٌ بِحُجْزَتِي، وَإِنِّي لأَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّمْ سلِّمْ، فَالزَّالُّونَ وَالزَّالاتُ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ»، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدَرِيّ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلاً قَالَ فِيهِ: «ثُمَّ يُضْرَبُ الجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سلِّمْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الجِسْرُ؟ قَالَ: «دَحْضُ مَزَلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفٌ وَكَلاليبٌ، وَحَسَكَةٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ المُؤْمِنُ كَطَرْفِ العَيْنِ، وَكَالبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمُكَرْدَسٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ». خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
خَطَبَ أَحَدُ العُلَمَاءِ خُطْبَةً بِلِيغَةً فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّكْمْ مَيَّتُون وَمَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ المَوْتِ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}.
وَتُوقَفُونَ عَلَى أعمالكم وَتُجْزَوْنَ بها فلا تَغُرَّنكم الحياة الدنيا فإنها بِالبَلاءِ وَالمَصَائِبِ مَحْفُوفَة، وَبِالفَنَاءِ مَعْرُوفَة، وَبِالغَدْرِ مَوْصُوفَة، وَكُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَهِيَ بَيْنَ أَهْلِهَا دُوَلٌ وَسِجَال.
مَا أَفْضَحَ المَوْتَ لِلدُّنْيَا وَزِينتِهَا ** جِدًّا وَمَا أَفْضَحَ الدُّنْيَا لأَهْلِيهَا

لا تَرْجِعَنَّ عَلَى الدُّنْيَا بِلائِمَةٍ ** فَعُذْرُهَا لَكَ بَادٍ فِي مَسَاوِيهَا

لَمْ تُبْقَ في غَيْبِهَا شَيْئًا لِصَاحِبَهَا ** إِلا وَقَدْ بَيَّنَتْهُ في مَعَانِيهَا

تُفْنِي البَنِينَ وَتُفْنِي الأَهْلَ دَائِبَةً ** وَنَسْتَنِيمُ إليها لا نُعَادِيهَا

فَمَا يَزِيدُكُمْ قَتْلُ الذِي قَتَلَتْ ** وَلا العَدَاوَةُ إِلا رَغْبَةً فِيهَا

لا تَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلا تَسْلَمُ مِنْ شَرِّهَا نُزَّالُهَا، بَيْنَا أَهْلُهَا فِي صَفِاءٍ وَرَخَاءِ وَسُرُورٍ وَنَعِيمٍ وَخَبُور إِذَا هُمْ مِنْهَا فِي بَلاءٍ وَغُرُور، العَيْشُ فِيهَا مَذْمُوم وَالرَّخَاءُ فِيهَا لا يَدُوم وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَعْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَة تَرْمِيهَا بِسِهَامِهَا وَتَقْصِمُهُمْ بِحِمَامِهَا، وَكُلٌّ حَتْفُهُ فِيهَا مَقْدُور وَحَظُّهُ فِيهَا مَوْفُور.
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّكَمْ وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيل مَنْ قَدْ أَمْضَى مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُُمْ مِمَّنْ كَانَ أَطْوَل مِنْكُمْ أَعْمَارًا وَأَشَدَّ مِنْكُمْ بَطْشًا وَأَعْمَرِ دِيَارًا وَأَبْعَدَ آثَارًا فَأَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُم هَامِدَةً خَامِدَةً مِنْ بَعْدِ طُولِ تَقَلُّبِهَا وَأَصْبَحَتْ أَجْسَادُهُم بَإلية وَدَيَارُهُم عَلَى عُرُوشِهَا خَاوِيَة وآثارهم عافية.
وَاسْتَبْدَلُوا القُصُورَ المُشَيَّدَةِ وَالسُّرُرِ وَالنَّمَارِقِ المُمَهَّدَةِ بِالتُّرَابِ وَالصُّخُورِ وَالأَحْجَارِ المُسَنَّدَةِ فِي القُبور اللاطِئَة المُلَحَّدَةِ فَمَحَلُّهَا مُقْتَرَب وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِب بَيْنَ أَهْلِ مَحِلَّةٍ مُوحِشِينِ.
لا يَسْتَأْنِسُونَ بِالعُمْرَانِ وَلا يَتَوَاصُلُونَ تَوَاصُل الجِيران على ما بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ المَكَانِ وَالجَوِارِ وَدُنُوِّ الدارِ وَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَوَاصُلٍ وَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الجنَاَدِلُ وَالثَّرى وَأَصْبَحُوا بَعْدَ الحَيَاةِ أَمْوَاتًا وَبَعْدَ نَضَارَةِ العَيْشِ رُفَاتًا.
فَجَعَ بِهِمُ الأَحْبَابِ وَسَكَنُوا تَحْتَ التُّرَابِ ظَعَنُوا فَلَيْسَ لَهُمْ إِيَاب فَكَأَّنْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إليه مِنَ البَلاءِ وَالوِحْدَة فِي دَارِ المَثْوَى وَارْتُهِنْتُمْ فِي ذَلِكَ المَضْجَعِ وَضَمَّكُمْ ذَلِكَ المُسْتَوْدَع.
فَكَيْفَ بِكُمْ إِذَا عَايَنْتُمُ الأُموُرَ بُعْثِرَتِ القُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ وَوُقِّفْتُمْ لِلتَّحْصِيلِ بَيْنَ يَدَيْ المَلِك الجَلِيلِ فَطَارَتْ القُلُوبُ لإِشْفَاقِهَا مِنْ سَالِفِ الذُّنُوبِ وَهُتِكَتِ الحُجُبُ وَالأَسْتَار وَظَهَرتْ مِنْكُم العُيُوبُ وَالأَسْرَار.
هُنَالِكَ تُجْزَى كل نَفْس بِمَا كَسَبتْ قَالَ اللهُ جَلَّ جَلاله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} الآيَة.
قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاء:
تَبًا لِطَالِبِ دُنْيًا لا بَقَاءَ لَهَا ** كَأَنَّمَا هِيَ فِي تَعْرِيفِهَا حُلُمُ

صَفَاؤُهَا كَدَرٌ سُرُورُهَا ضَرَرٌ ** أَمَانُهَا غَرَرٌ أَنْوَارُهَا ظُلَمُ

شَبَابُهَا هَرَمٌ رَاحَاتُهَا سَقَمٌ ** لَذَّاتِها نَدَمٌ وُجْدَانُهَا عَدَمُ

لا يَسْتَفِيقُ مِنَ الأَنْكَادِ صَاحِبُهَا ** لَوْ كَانَ يَمْلِكُ مَا قَدْ ضُمِّنَتْ أَرَمُ

فَخَلِّ عَنْهَا وَلا تَرْكَنْ لِزَهْرَتِهَا ** فَإِنَّهَا نِعَمٌ فِي طَيِّهَا نَقِمُ

وَاعْمَلْ لِدَارِ نعَِيمٍ لا نَفَادَ لَهَا ** وَلا يُخَافُ بِهَا مَوْتٌ وَلا هَرَمُ

آخر:
يَا آمِنَ السَّاحَةِ لا يُذْعَرُ ** بَيْنَ يَدَيْكَ الفَزَعُ الأَكْبَرُ

وَإِنَّمَا أَنْتَ كَمَحْبُوسَةٍ ** حُمَّ رَداَهَا وَهِيَ لا تَشْعُرُ

وَالمَرْءُ مَنْصُوبٌ لَهُ حَتْفُهُ ** لَوْ أَنَّهُ مِنْ عَمَهٍ يُبْصِرُ

وَهَذِهِ النَّفْسُ لَهَا حَاجَةٌ ** وَالعُمْرُ عَنْ تَحْصِيلِهَا يَقْصُرُ

وَكُلَّمَا تُزْجَرُ عَنْ مَطْلَبٍ ** كَانَتْ بِهِ أَكْلَفَ إِذْ تُزْجَرُ

وَإِنَّمَا تَقْصُرُ مَغْلُوبَةً ** كَالمَاءِ عَنْ عُنْصُرِهِ يَقْصُرُ

وَرُبَّمَا أَلْقَتْ مَعَاذِيرَهَا ** لَوْ أَنَّهَا وَيْحَهَا تُعْذَرُ

وَنَاظِرُ المَوْتِ لَهَا نَاظِرٌ ** لَوْ أَنَّهَا تَنْظُرْ إِذْ يُنْظَرُ

وَزَائِرُ المَوْتِ لَهُ طَلْعَةٌ ** يُبْصِرُهَا الأَكْمَهُ وَالمُبْصِرُ

وَرَوْعَةُ المَوْتِ لَهَا سَكْرَةٌ ** مَا مِثْلُهَا مِنْ رَوْعَةٍ تُسْكِرُ

وَبَيْنَ أَطْبَاق الثَّرى مَنْزلٌ ** يَنْزِلُهُ الأَعْظَمُ وَالأَحْقَرُ

يَتْرُك ذُو الفَخْرِ بِهِ فَخُرَهُ ** وَصَاحِبُ الكِبْرِ بِهِ يِصْغُرُ

قَدْ مَلأتْ أَرْجَاءَهُ رَوْعَةٌ ** نَكِيرُهَا المَعْرُوفُ وَالمُنْكَرُ

وَبَعْدُ مَا بَعْدُ وَأَعْظِمْ بِهِ ** مِنْ مَشْهَدٍ مَا قَدْرُهُ يُقْدَرُ

يُرْجَفُ مِنْهُ الوَرَى رَجْفَةً ** يَنْهَدُّ مِنْهَا المَلأ الأَكْبَرُ

وَلَيْسَ هَذَا الوَصْفُ مُسْتَوْفِيًا ** كُلَّ الذِي مِنْ وَصْفِهِ يُذْكَرُ

وَإِنَّمَا ذَا قَطْرَةُ أَرْسَلَتْ ** مِنْ أَبْحُرٍ تَتْبَعُهَا أَبْحُرُ

وَقَدْ أَتَاكَ الثَّبْتُ عَنْهُ بِمَا ** أَخْبَرَكَ الصَّادِقُ إِذْ يُخْبِرُ

فَاعْمَلْ لَهُ وَيْكَ وِإِلا فَلا ** عُذْرَ وَمَا مِثْلُكَ مَنْ يُعْذَرُ

اللَّهُمَّ في سِلْكِ الْفَائِزِنَ بِرِضْوانِكَ، واجْعَلْنَا مِنْ الْمُتَّقِينَ الذِينَ أعْدَدْتَ لَهُمْ فَسِيحَ جَنَّاتِكَ، وأَدْخِلْنَا بِرَحْمَتِكَ فِي دَارِ أَمَانِكَ وعافنا يا مَوْلانا في الدُّنْيَا والآخِرةِ مِن جَمِيعِ الْبَلايَا وأجْزِلْ لِنَا مِنْ مَوَاهِب فَضْلِكَ وَهِبَاتِكَ وَمَتَّعْنَا بالنَّظَر إلى وَجْهِكَ الْكَريمِ مَعَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأحْيَاءِ مِنْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.مَوْعِظَة:

قَالَ أَحَدُ العُلَمَاءِ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَوْعِظَةٌ وَعَظَهَا أَلا أَنَّ الدُّنْيَا بَقَاؤُهَا قَلِيلٌ، وَعَزِيزُهَا ذَلِيل، وَغَنِّيها فَقِير، شَابُّهَا يَهْرَمْ، وَحَيُّهَا يَمُوت، وَلا يَغُرُّكمْ إِقْبَالُهَا مَعَ مَعْرِفَتِكُم بِسُرْعَةِ إِدْبَارِهَا وَالمَغْرُورُ مِنِ اغْتَرَّ بِهَا.
أَيْنَ سُكَّانُهَا الذِينَ بَنُوا مَرَابِعَهَا وَشَقَّقُوا أَنْهَارَهَا وَغَرَسُوا أَشْجَارِهَا وَأَقَامُوا فِيهَا أَيَّامًا يَسِيرَةً وَغَرَّتْهُمْ بِصُحْبَتِهم وَغُرُّوا بِنَشَاطِهِمْ فَرَكِبُوا المَعَاصِي إِنَّهُمْ كَانُوا وَاللهِ بِالدُّنْيَا مَغْبُوطِينَ بِالمَالِ عَلَى كثرة المَنْعِ عَلَيْهِ مَحْسُودِينَ عَلَى جَمْعِهِ.
مَا صَنَعَ التُّرَابُ بِأَبْدَانِهِمْ وَالرَّمْلُ بِأَجْسَامِهِم وَالدِّيدَانُ بِأَوْصَالِهِم وَلُحُومِهِم وِعِظَامِهِم وَإِذَا مَرَرْتَ فَنَادِهِمْ إِنْ كُنْتَ مُنَادِيًا وَادْعُهُمْ إِنْ كُنْتَ لابد دَاعِيًا.
وَمُرَّ بِعَسْكَرِهِم وِانْظُرْ إِلَى تَقَارُبِ مَنَازِلِهِمْ وَسَلْ غَنِيَّهُمْ مَا بَقَى مِنْ غِنَاهُ وَسَلْ فَقِيرِهُمْ مَا بَقَى مِنْ فَقْرِهِ، وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الأَلْسُنِ الَّتِي كَانُوا بِهَا يَتَكَلَّمُونَ وعن الأعين التي كَانُوا بها ينظرون وسلهم عن الأعضاء الرقيقة.
والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنعت بها الديدان.
محت الألوان، وأكلت اللحمان، وعفرت الوجوه، ومحت المحاسن، وكسرت الفقار، وأبانْتِ الأعضاء، ومزقت الأشلاء قَدْ حيل بينهم وبين الْعَمَل وفارقوا الأحبة.
فكم من ناعم وناعمة أصبحت وجوهم بإلية، وأجسادهم من أعناقهم بائنة، وأوصالهم متمزقة، وقَدْ سألت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه صديدًا، ودبت دواب الأَرْض في أجسامهم، وتفرقت أعضاؤهم.
ثُمَّ لم يلبثوا إِلا يسيرًا حتى عادت العظام رميمًا قَدْ فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعة إلى المضائق قَدْ تزوجت نساؤهم وترددت في الطرق أبناؤهم.
فمِنْهُمْ والله الموسع له في قبره الغض الناعم فيه المتنعم بلذاته، فيا ساكن القبر ما الَّذِي غرك في الدُّنْيَا هل تظن أنك تبقى أو تبقى لك أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد وأين ثمرتك الحاضر ينعها وأين رقاق ثيابك وأين كسوتك لصيفك وشتائك هيهات هيهات يا مغمض الوالد والأخ وغاسلةً وحاملةً يا مدليه في قبره وراحل عَنْهُ، ليت شعري كبف نمت على خشونة الثرى، وبأي خديك بدأ البلى، يا مجاور الهلكى صرت في محله الموت، ليت شعري ما الَّذِي يلقاني به ملك الموت عَنْدَ خروج روحي من الدُّنْيَا.
انْتَبِهْ مِنْ كُلِّ نَوْمٍ أَغْفَلَكْ ** وَاخْشَ رَبًّا بِالْعَطَايَا جَمَّلَكْ

تَابِعِ الْمُخْتَارَ وَاسْلُكْ نَهْجَهُ ** فَهُوَ نُورٌ مَنْ مَشَى فِيهِ سَلَكْ

ثِقْ بِمَوْلاكَ وَكُنْ عَبْدًا لَهُ ** إِنَّ عَبْدَ اللهِ فِي الدُّنْيَا مَلِكْ

جَدِّدِ التَّوْبَ عَلَى مَا قَدْ مَضَى ** مِنْ زَمَانٍ بِالْمَعَاصِي أَشْغَلَكْ

حَاسِبْ النَّفْسَ وَعَلِّمْهَا الرِّضَى ** بِالْقَضَا وَاعْصِ هَوَاها تَرْضَ لَكْ

خُذْ مِنَ التَّقْوَى لِبَاسًا طَاهِرًا ** فَالتُّقَى خَيْرُ لِبَاسٍ يَمْتَلَكْ

دَاوِم الذِّكْرِ لِخَلاقِ الْوَرَى ** وَاتْرُكِ الأَمْرِ لِمَنْ أَجْرَى الْفَلَكْ

ذُلَّ وَاخْضَعْ وَاسْتَقِمْ وَاعْبُدْ لَهُ ** مُخْلِصًا يَفْتَحُ بَابَ الْخَيْرِ لَكْ

رَوِّحِ الْقَلْبَ لَهُ وَاعْكِفْ عَلَى ** بَابِهِ فَهُوَ الَّذِي قَدْ فَضَّلَكْ

زَيِّن الْبَاطِنَ بِالتَّقْوَى تَفُزْ ** حَسِّنِ الظَّاهِرَ تُعْطَى أَمَلَكْ

سَلِّمَ الأَمْرَ لَهُ تَسْلَمْ فَكَمْ ** مِن فَتَى إِذْ سَلَّمَ الأَمْرَ سَلَكْ

شُقَّ حُجْبَ الْكَوْنِ لِلْمَعْبُودِ لا ** تَلْتَفِتْ إِلا إليه يَقْبَلَكْ

صُنْ عَنْ الدُّنْيَا لِسَانًا وَيَدًا ** وَفُؤَادًا وَلَهُ اخْلِصْ عَمَلَكْ

ضُمَّ أَحْشَاكَ عَلَى تَوْحِيدِهِ ** فَهُوَ نُورٌ يُذْهِبُ الدَّاجِي الْحَلِكْ

طِبْ لَهُ وَاقْنَعْ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ ** فَهُوَ كَافٍ فَضْلَهُ قَدْ شَمَلَكْ

ظَنَّ خَيْرًا تَلْقَ مَا قَدْ تَرْتَجِي ** مِنْ جَمِيعِ الْخَيْرِ حَتَّى يَقْبَلَكْ

عُدْ إليه كُلَّمَا حَلَّ الْبَلا ** عَلَّ تَسْلَمْ مِنْ رَجِيمٍ سَوَّلَكْ

خُضْ بِحَارَ الْعُذْرِ فِي جَنْحِ الدُّجَى ** لِكَرِيمٍ بِالْعَطَايَا خَوَّلَكْ

فَاتْرُكِ التَّدْبِيرَ وَالْعِلْمَ لَهُ ** اسْأَلِ الْمَوْلَى يُصَفِّي مَنْهَلَكْ

قُلْ بِذُلِّ: يَا رَحِيمُ الرُّحَمَا ** يَا مُنْجِي بِالْعَطَايَا مَنْ هَلَكْ

كُنْ مُجِيرًا وَنَصِيرًا وَحِمَىً ** لِعُبَيْدٍ مُذْنِبٍ قَدْ سَأَلَكْ

لُذْتَ بِالْبَابِ فَحَاشَا أَنْ أُرَى ** تَعِبًا وَالأَمْرُ وَالتَّدْبِيرُ لَكْ

مَرَّ عَيْشِي وَالْخَطَا أَبْعَدَنِي ** وَاعْتِقَادِي الصَّفْحُ عَمَّا كَانَ لَكْ

نَجِّنَا مِنْ كُلِّ كَرْبٍ وَبَلا ** يَوْمَ يَلْقَى الْعَبْدُ مَكْتُوبَ الْمَلَكْ

هَبْ لَنَا السِّتْرَ وَلا تَفْضَحْ لَنَا ** يَا إِلَهِي وَاعْفُ عَمَّنْ سَاءَ لَكْ

يَا مُحِبَّ الْعَفْوِ يَسِّرْ أَمْرَنَا ** وَاقْضِ عَنَّا مَا لِمَخْلُوقٍ وَلَكْ

وَتَحَنَّنْ بِالْعَطَايَا كَرَمًا ** أَنْتَ مَوْلانَا وَأَوْلَى مَنْ مَلَكْ

انتهى.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْ محبتك في قلوبنا وقوها وألهمنا ذكرك وشكرك ووفقنا للقيام بأمرك وأعذنا من عدونا وعَدُوّكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأحْيَاءِ مِنْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
اللَّهُمَّ أَنَا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانَا وأهلنا وأموالنا ونسألك أن تَغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
فصل:
ذكر الترمذي من حديث أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يجَاءَ بابن آدم يوم القيامة كأنه بذخ فيوقف بين يدي الله عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ: الله له: أعطيتك وخولتك وأنعمت عَلَيْكَ فماذا صنعت؟ فَيَقُولُ: جمعته وثمرته وتركته أكثر ما كَانَ فارجعني آتيك به، فَيَقُولُ له: أرني ما قدمت، فَيَقُولُ: يا رب جمعته وثمرته وتركته أكثر ما كَانَ فارجعني آتك به، فإذا عبد لم يقدم خيرًا فيمضى به إلى النار».
فتفكر يا مسكين في نفسك ما دمت في قيد الحياة وأَنْتَ تحكم في مالك ولا لك معارض وتتصرف فيه كيف شئت واجعل يوم تبلى السرائر نصب عينيك بين ما أَنْتَ في هَذَا اليوم العَظِيم الَّذِي قَدْ امتلئت فيه القُلُوب من الخوف والقلق والرعب والذعر والانزعاج وقَدْ بلغت القُلُوب الحناجر.
قال تَعَالَى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} فبينما النَّاس في هذه الحال التي حدثت عَنْهَا إذا جيء بجنهم تقاد بسبعين ألف زمام مَعَ كُلّ زمان سبعون ألف ملك يجرونها حتى تَكُون بمرأى من الخلق ومسمَعَ يرون لهيبها ويسمعون زفيرها فبينما أَنْتَ في تلك الحال إذا أخذ بضبعك وقبض على عضديك وجيء بك تتخطى الرقاب وتخترق الصفوف والخلائق ينظرون إليك حتى إذا وقفت بين يدي الله تَعَالَى فسئلت عن القليل والكثير والدقيق والجليل والقطمير والنقير ولا تجد أحدًا يجاوب عَنْكَ بلفظة ولا يعينك بكلمة ولا يرد عَنْكَ جوابًا في مسألة.
وأَنْتَ شاهدت من عظم الأَمْر وجلالة القدر وهيبة الحظرة ما أذهب بيانك وأخرس لسانك وأذهل جنانك.
ونظرت يمينًا وشمالاً وبين يديك فلم تر إِلا النار وعملك الَّذِي كنت تعمل وكلمك رب العزة جل جلاله بغير حجاب يحجبك ولا ترجمان يترجم لك.
وكيف تَكُون حيرتك ودهشتك إذا قيل: عاملت فلانَا يوم كَذَا وَكَذَا في كَذَا وَكَذَا وغبنته في كَذَا وَكَذَا وغششته في السلعة الفلانية.
وتركت نصيحته في كَذَا وَكَذَا وبعته السلعة المعيوبة ولم تبين له العيب أو غصبت فلانَا أو ظلمت فلانَا أو قتلت فلانَا أو أعنت فلانَا أو أعنت على قتله أو نحو ذَلِكَ.
وقيل: ما حجتك أقم بينة ائت ببرهان فأردت الكلام فلم تبين وجئت بعذر فلم يستبن هيهات أنى لك الكلام ولم تنقحه وأنى لك بالعذر في الدُّنْيَا لم تصححه قال الله جَلَّ وَعَلا: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}.
وَقَالَ تبارك وتَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} الآيات، وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} الآيتين.
فَانْظُرْ في هَذَا الموقف عَنْدَ السؤال بأي بدن تقف بين يدي الله وبأي لسان تجيبه فأعد للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا فما شئت من قلب يخلع ومن كبد تصدع ومن لسان يتلجج ومن أحشاء تتموج ومن نفس تريد أن تخَرَجَ.
سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ أَيَّةُ لَيْلَةٍ ** مَخَضَتْ صَبِيحَتُهَا بِيَوْمِ الْمَوْقِفِ

لَوْ أَنَّ عَيْنًا أَوْهَمَتْهَا نَفْسُهَا ** يَوْمَ الْحِسَابِ تَمَثُّلاً لَم تَطْرُف

وانظر ما أشأم تلك الأرباح التي ربحتها وأخسر تلك المعاملات التي ألهتك عن ما خلقت له انظر كيف ذهبت عَنْكَ مسراتها وبقيت حسراتها والشهوات التي في ظلم العباد انْفَذْتَهَا كيف ذهب عَنْكَ الفرح بها وبقيت التبعة.
وانظر هل يقبل منك فدا في ذَلِكَ الموقف الرهيب وما الَّذِي يخلصك من ذَلِكَ السؤال قال الله تبارك وتَعَالَى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا}.
وفي بعض الأخبار يتمنى رِجَال أن يبعث بِهُمْ إلى النار ولا تعرض قبائحهم على الله تَعَالَى ولا تكشف مساوئهم على رؤوس الخلائق، فما ظنك بهَذَا المقام وبهَذَا السؤال وبهَذَا النكال والوبال.
وما ظنك بنفسك وقَدْ جيء بجهنم على الوصف الَّذِي تقدم وقَدْ دنت من الخلائق، وشهقت وزفرت، وثارت وفارت.
ونهض خزانها والموكلون بها، والمعدون لتعذيب أهلها متسارعين إلى أخذ من أمروا بأخذه، ساحبين له على بطنه وحرِّوََجْهِهِ سامعين مطيعين لله: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
فتصور حالك وكيف وقَدْ امتلأت القُلُوب خوفًأ ورعبًا وذعرًا وفزعًا، وارتعدت الفرائص، وبلغت القُلُوب الحناجر، واصطفت الأحشا، وتقطعت الأمعاء، وطلبوا الفرار وطاروا لو يحصل لَهُمْ مطار.
وجئت الأمم على الركب وأيقن المذنوبون بالهلاك والعطب وسوؤ المنقلب، ونادى الأنبياء والصديقون والأَوْلِيَاء: نفسي نفسي.
كُلّ نفس قَدْ أفردت لشأنها وتركت لما بها قال الله جَلَّ وَعَلا وتقدس:
{يَوْمَ تَأْتِي كُلّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}، ,قال تبارك وتَعَالَى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وظن كُلّ إنسان أنه هُوَ المأخوذ وأنه هُوَ المقصود والمطلوب، وذهلت العقول وطاشت الألباب، وتحيرت الأذهان، وفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
واشتغل بشأنه الَّذِي يهمه ويعنيه، وسئل عن جَمِيع أمره سره وجهره، دقيقه وجليله كثيره وقليله، وسئل عن أعضائه عضوًا عضوًا وجارحة، وعن شكره عَلَيْهَا، وعن أداء حق الله فيها.
وظهرت القبائح وكثرت الفضائح، وبدت المخازي واشتهرت المساوي، وتركك الأَهْل والأقربون، ولم ينفعك مال ولا بنون، وأقبلت تجادل عن نفسك وتخاصم عَنْهَا وتطلب المعاذير لها قال الله جَلَّ وَعَلا: {يَوْمَ تَأْتِي كُلّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}.
وقَدْ أسلمت وأفردت واشتغل كُلّ إنسان عَنْكَ بنفسه قال الله جَلَّ وَعَلا: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}، وَقَالَ عز من قائل: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} الآيَة.
وأنشدوا:
خَلِيلِي مَا أَقْضِي وَمَا أَنَا قَائِلٌ ** إِذَا جِئْتُ عَنْ نَفْسِي بِنَفْسِي أُجَادِلُ

وَقَدْ وَضَعَ الرَّحْمَنُ فِي الْخَلْقِ عَدْلَهُ ** وَسِيقَ جَمِيعُ النَّاسِ واليوم بَاسِلُ

وَجِيءَ بِجُرْم النَّارِ خَاضِعَة لَهُ ** وَثُلَّثْ عُرُوشٌ عِنْدَهَا وَمَجَادِلُ

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي ذَلِكَ اليوم هَلْ أَنَا ** أَأَغْفَر أَمْ أُجْزَى بِمَا أَنَا فَاعِلُ

فَإِنْ أَكُ مُجْزِيًا فَعَدْلٌ وَحُجَّةٌ ** وَإِنْ يَكُ غُفْرَانٌ فَفَضْلَ وَنَائِلُ

آخر:
أَلَمْ تَسْمَعْ عَن النَّبَأَ الْعَظِيمِ ** وَعَنْ خَطْبِ خُلِّقَتَ لَهُ جَسِيم

وَزِلْزَالٍ يَهُدُّ الأَرْضَ هَدًّا ** وَيَرْمِي فِي الْحَضِيضَةٍ بِالنُّجُومِ

وَأَهْوَالٍ كَأَطْوَادٍ رَوَاسِي ** تَلاطَمُ فِي ظُلُوعِ كَالْهَشِيمِ

فَمِنْ رَاسٍ يَشِيبُ وَمِنْ فُؤَادٍ ** يَذُوبُ وَمِن هُمُومٍ فِي هُمُومِ

وَسَكْرَانٍ وَلَمْ يَشْرَبْ لِسُكْرٍ ** وَهَيْمَانٍ وَلَمْ يَعْلقْ بِرِيمِ

وَمُرْضِعَةٍ قَدْ أَذْهَلَهَا أَسَاهَا ** فَمَا تَدْرِي الرَّضِيعَ مِن الْفَطِيمِ

وَمُؤْتَمَةٍ تَوَلَّتْ عَنْ بَنِيهَا ** وَأَلْقَتْ بِإليتِيمَةِ وَاليتِيمِ

وَحُبْلَى أَسْقَطَتْ ذُعْرًا وَخَوْفًا ** فَيَاللهِ لِلْيَوْمِ الْعَقِيمِ

وَهَذَا مَشْهَدٌ لابد مِنْهُ ** وَجَمْعٌ لِلْحَدِيثِ وَلِلْقَدِيمِ

وَمَا كِسْرَى وَقَيْصَرُ وَالنَّجَاشِي ** وَتُبَّعُ وَالْقُرُومُ بَنُوا الْقُرُومِ

بِذَاكَ اليوم إِلا فِي مَقَامٍ ** أَذَلَّ مِن التُّرَابِ لِذِي السَّلِيمِ

وَمَا لِلْمَرْءِ إِلا مَا سَعَاهُ ** لِدَارِ الْبُوْسِ أَوْ دَارِ النَّعِيمِ

وَأَنْتَ كَمَا عَلِّمْتَ وَرَبَّ أَمْرٍ ** يَكُونُ أَذَاهُ أَوْقَعُ بِالْعَلِيمِ

فَدَعْ عَيْنَيْكَ تَسْبَحْ فِي مَعِينٍ ** وَقَلْبَكَ ذَرْهُ يَقْلُبُ فِي جَحِيمِ

وَشُقَّ جُيُوبَ صَبْرِكَ شَقَّ ثُكْلَى ** تَعَلَّقَتِ ابْنَهَا رَجُلاً سَهُومِ

وَمَاذَا الأَمْرُ ذَلِكُمُ وَلَكِنْ ** تُشَبَّهُ بِالْبِحَارِ يَدُ الْكَرِيم

اللَّهُمَّ نجنا بِرَحْمَتِكَ من النار وعافنا من دار الخزي والبوار وأدخلنا بِفَضْلِكَ الْجَنَّة دار القرار وعاملنا بكرمك وجودك يا كريم يا غفار وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأحْيَاءِ مِنْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.